تزامنا مع الذكرى 67 لجريمة الساقية.. التلاحم التونسي الجزائري يعود بقوة - ميديا سبورت

0 تعليق ارسل طباعة حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تزامنا مع الذكرى 67 لجريمة الساقية.. التلاحم التونسي الجزائري يعود بقوة - ميديا سبورت, اليوم الخميس 6 فبراير 2025 03:11 مساءً

تزامنا مع الذكرى 67 لجريمة الساقية.. التلاحم التونسي الجزائري يعود بقوة

نشر بوساطة فؤاد العجرودي في الشروق يوم 06 - 02 - 2025

alchourouk
شكلت الغارة الجوية المتوحشة التي شنتها القوات الفرنسية على منطقة «ساقية سيدي يوسف» يوم 8 فيفري 1958 حدثا فاصلا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
والواضح أن الأجيال الجديدة في تونس والجزائر في حاجة إلى الاستلهام من ملابسات تلك الواقعة بالذات التي تمثل مقياسا لما يمكن أن يصنعه تلاحم القدرات التونسية الجزائرية حيث أن الدماء الزكية التي سالت على مرتفعات الساقية تسببت في تداعيات استراتيجية عميقة في مقدمتها سقوط الجمهورية الرابعة في فرنسا مقابل تسارع موجة التحرر من الاستعمار في افريقيا وصعود القوتين الجديدتين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة على أنقاض الدمار الذي طال القارة العجوز أوروبا.
كما ترمز تلك الغارة المتوحشة التي استهدفت عمدا سوقا أسبوعية ومدرسة ابتدائية إلى مدار الصراع القائم بين الشمال والجنوب بوصفه صراعا بين الهمجية والحضارة فما فعلته فرنسا في ساقية سيدي يوسف لا يختلف عن الاستهداف الصهيوني لمدارس الأونروا في قطاع غزة الفلسطيني لأن المرجعية واحدة العقيدة النازية الصهيونية التي تقسم البشر إلى أسياد وعبيد وتستند إلى عدائية متأصلة لرموز الحضارة الانسانية.
وعلى هذا الأساس قام مشروع الصهيونية العالمية على الكيانات التي مارست الابادة الجماعية وهي كل من بريطانيا في أستراليا وألمانيا في ناميبيا عام 1907 والولايات المتحدة ضد السكان الأصليين المعروفين بالهنود الحمر وإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وفرنسا التي مارست الابادة الجماعية في الجزائر حيث كان جنودها ينتقمون من الثوار المتحصنين في الجبال بتقتيل المدنيين من الرضيع إلى الشيخ بإطلاق الرصاص على الرؤوس بكل برودة دم.
كما ستظل ملحمة الساقية درسا قاسيا للأنظمة العميلة في المنطقة العربية حيث بيّن من خلالها التونسيون والجزائريون ماذا تعني وشائج الجيرة والأخوة لدرجة أن الولاّة التونسيين على الشريط الحدودي الغربي كانوا يشرفون على إيصال شحنات السلاح من ميناء حلق الوادي إلى جيش تحرير الجزائر الذي كان يقيم قواعد داخل العمق التونسي للتدريب والتخطيط للعمليات والكمائن ضد الجيش الفرنسي.
وبالنتيجة اختزلت دوافع وتداعيات ملحمة الساقية قوّة الدافع الحضاري للشعبين التونسي والجزائري الرافضين لكل أشكال الاستعلاء والعلاقات العمودية حيث دخلت الجزائر في المنعطف الأخير قبل الاستقلال فيما لم تتأخر كثيرا ملحمة رمادة التي تمكن خلالها الجيش التونسي حديث الولادة من طرد جيش فرنسا من آخر بقعة في الجنوب وذلك في ذروة شهر جويلية 1958 علما أن هذه المعركة استشهد فيها الفدائي التونسي الشهير «مصباح الجربوع» الذي جسّدت مسيرته النضالية ضد المستعمر الفرنسي قوة الشخصية الوطنية التونسية.
ولعل التاريخ يعيد نفسه حيث يتزامن إحياء الذكرى 67 لملحمة ساقية سيدي يوسف مع انفتاح أفق جديد أمام الشعبين التونسي والجزائري في خضم مخاض عالمي مختلف جذريا عن كل المنعطفات السابقة باعتباره يعطي الأسبقية للدول المتحكمة في قرارها الوطني والقادرة من ثمة على الذهاب في الاتجاه الذي يلائم خصوصياتها وقدراتها.
والواضح أنه من خلال قيام مسار 25 جويلية في تونس اكتملت الشروط الموضوعية لإعادة بناء مفهوم المصير المشترك بين تونس والجزائر على أسس صلبة واستنادا إلى هيكلة جديدة تكرّس بالفعل مفهوم الشراكة الاستراتيجية الهادفة إلى تحقيق استدامة الرخاء والأمن عبر التوظيف الأمثل للقدرات المشتركة وبالتالي اندماج السياسات العمومية لكلا البلدين في مسار موحّد يكفل تحقيق المصالحة بين الحاضر والإرث المعرفي والإنساني المجيد لهذه البقعة من شمال إفريقيا وعلى هذا الأساس ينبغي التعامل مع الهيكلة التقليدية للتعاون المتألفة من اللجنة العليا المختلطة واللجان القطاعية المشتركة على أنها أدوات بائدة أصبحت لا تستجيب لمتطلبات الحاضر الذي يفرض التوجه نحو إنشاء مجلس أعلى للشراكة الإستراتيجية يكون بمثابة المطبخ الذي يكفل التكامل بين السياسات العمومية المنتهجة في كلا البلدين في نطاق رؤيا مشتركة تكرّس قناعة فعلية راسخة بأن التموقع كبوابة لإفريقيا كفيل بإدخال تغيير جذري على واقع الشعبين التونسي والجزائري باعتباره الأقدر على تحويل القدرات الكامنة إلى جهد مسترسل ومشترك خاصة من خلال تعزيز قدرة البلدين على توطين التكنولوجيا المتطورة وحفز الإستثمار بالنظر إلى طبيعة المنطقة الإفريقية التي تمثل بكل المقاييس خزان الاقتصاد العالمي وبالتالي فإن الدخول في شراكة مع بلدانها سيوسع السوق بشكل غير محدود أمام الاقتصاد التونسي والجزائري.
والواضح أن كلا من تونس والجزائر قد قطعتا خطوات هامة على الصعيد السياسي تؤهلهما لدور إقليمي أكثر تأثيرا خاصة من خلال تحولهما إلى عنوان لثقافة التحرر الوطني والتعويل على الذات في ظرفية استثنائية تشهد نزعة إفريقية قوية نحو قطع جذور التخلف وعدم الاستقرار المرتبطة بالإرث الإستعمار الأوروبي.
كما يضطلع كل من الرئيس قيس سعيد وعبد المجيد تبون بدور بيداغوجي حيوي يهدف إلى تقوية الدافع الحضاري للشعبين التونسي والجزائري باعتباره الركيزة الأساسية للتفوق في هذا السباق العالمي الجديد الذي سيؤول حتما إلى انهيار قوى تقليدية مقابل صعود قوى أخرى لن تخرج عن دائرة «تحالف الجنوب» الممتد بين إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية وهو ما تجسده بكل وضوح التحولات المتسارعة في شتى أنحاء العالم على غرار خروج الاتحاد الأوروبي من المعادلة الدولية وحالة المستعمر السابق فرنسا حيث تتراكم ملامح الإفلاس المالي وانهيار الجمهورية السادسة .
وبالمحصلة تمثل دماء التونسيين والجزائريين الأبرار الذين استشهدوا في ساقية سيدي يوسف وشتى محطات النضال المشترك ضد الإستعمار أمانة تفرض على الأجيال الحالية التفكير مستقبلا بعقل واحد لتحقيق الاستفادة القصوى من المسارات الجديدة التي تنفتح على مصراعيها أمام الشعبين التونسي والجزائري لاسيما من خلال تشبيك مشاريع البنية الأساسية حتى تتكامل مع التوجهات الإفريقية الجديدة نحو إزالة كل الحواجز أمام تدفق السلع وتنقل البشر خاصة عبر مدّ خطوط القطار السريع والطاقة والطرقات السيارة.
كما تفرض الرهانات الجديدة إدخال تغيير استراتيجي على مفهوم الاتحاد المغاربي يولي الأبعاد الجغرافية والثقافية المكانة المحورية التي تستحقها لاسيما من خلال الاعتقاد الراسخ بأن المغرب العربي والساحل الإفريقي كتلة غير قابلة للتجزئة .

.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق