هآرتس: تهجير سكان غزة قد يعيد مصر والأردن إلى دائرة المواجهة مع إسرائيل #عاجل - ميديا سبورت

0 تعليق ارسل طباعة حذف
جو 24 :

هآرتس * 

بفم متغطرس ودافىء، نجح دونالد ترامب في إعادة المشكلة الفلسطينية إلى قلب الخطاب الدولي، وأخرج قطاع غزة من درج "الكارثة الإنسانية"، وجعل منه رمزاً "للصمود" الوطني، وبنى حوله الوحدة العربية التي تهدف هذه المرة، ليس فقط إلى الدفاع عن الفلسطينيين، بل أيضاً وبصورة أساسية عن الدول العربية المهددة بغزو "المشكلة الفلسطينية" لأراضيها. وإذا كانت دول الشرق الأوسط تُصنَّف حتى الآن، وفق محور انتمائها الجيوسياسي، فإلى جانب المحور السنّي المعتدل، والمحور الموالي لأميركا، والمحور الشيعي، بلور ترامب محوراً جديداً هو محور الدول الخائفة.

بعد مرور ساعة فقط على تقديم ترامب خطة الترانسفير، التي كشف فيها أن السعودية لا تطالب بإقامة دولة فلسطينية، سارعت وزارة الخارجية السعودية، باسم وليّ العهد محمد بن سلمان، إلى إصدار ردّ حاد وواضح، يقول إن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، أو بحسب توصيفهم المحدّث، التطبيع، "لن يتم من دون قيام دولة فلسطينية. وهذا الموقف ثابت وغير قابل للجدل، أو التفاوض، أو المقايضة". بعد فترة وجيزة، جرت محادثات هاتفية مكثفة بين زعماء المنطقة. وذهب محمود عباس إلى عمّان للاجتماع بالملك عبد الله الذي يعتبر الخطة تهديداً وجودياً لدولته، من أجل تنسيق المواقف، قبيل اجتماع الملك عبد الله وترامب يوم الثلاثاء المقبل. وصرّح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بأن خطة ترامب بشأن طرد مليونَي فلسطيني هي "غير مقبولة"، ويبدو أنه من المتوقع عقد مؤتمر قمة عربية في الأيام المقبلة، يتخذ موقفاً صارماً ضد ما يُعتبر "تهجيراً "قسرياً" لسكان قطاع غزة. ومن المفترض أن يمهّد الطريق إلى عقد مؤتمر عربي أميركي في أواخر هذا الشهر في السعودية، بمشاركة ترامب.

يفترض ترامب في خطته أن الفلسطينيين، من دون أن يأخذ رأيهم، لن يضيعوا فرصة حياتهم في الحصول على فيلا بالقرب من ملعب للغولف وبركة سباحة في صحراء سيناء. لكن في الوقت عينه، تضع هذه الخطة زعماء الدول المجاورة، وليس الأردن ومصر فقط، أمام معضلة محفوفة بالمخاطر. إن استيعاب مليونَي لاجىء فلسطيني بصورة دائمة، معناه نقل المشكلة الفلسطينية إلى أراضي تلك الدول، مع كل ما تحمله من دلالات قومية وأمنية واقتصادية واجتماعية، على الصعيد السياسي لكل واحدة منها، وعلى الصعيد العربي العام. بالنسبة إلى الأردن، الذي ثلث سكانه من الفلسطينيين، إن تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين، معناه زلزال ديموغرافي يمكن أن يؤدي إلى انقلاب داخلي.

... إن استيعاب مئات الآلاف من الغزّيين الذين عملوا، في أغلبيتهم، في صفوف "حماس"، يمكن أن يحوّل الأردن إلى دولة مواجهة مع إسرائيل، مثلما كانت عليه الحال في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، أو مثل لبنان الذي استقبل الموجة الثانية من هجرة الفلسطينيين في السبعينيات، الأمر الذي شكّل تهديداً مستمراً لإسرائيل سُمّي "فتح لاند". هذا التهديد انتهى في حرب لبنان الأولى [الغزو الإسرائيلي في سنة 1982]، وأقامت "حماس" في مخيمات اللاجئين في لبنان قاعدة للتدريبات، وأحد أقوى فروع سيطرتها السياسية. هل هذا ما يسعى له ترامب عندما يقترح الأردن كدولة تستقبل سكان غزة؟

ومن الممكن أن تواجه مصر تطورات مشابهة، فبالإضافة إلى حربها الطويلة التي لم تنتهِ ضد التنظيمات الإسلامية، ستضطر إلى الدخول في مواجهة مع عناصر "حماس" الذين سيصلون بالآلاف إلى سيناء، وهي منطقة تشكل السيطرة والرقابة على تهريب السلاح فيها تحدياً لا يُحتمل. إن العبء الاقتصادي الذي سيُلقى على عاتق مصر سيكون هامشياً، مقارنةً بالقلق في مواجهة الارتباط المباشر بين "حماس" والإخوان المسلمين، اللذين يمكن أن يقيما معاً ذراعاً عسكرية متمرسة وماهرة تشكل تهديداً، لإسرائيل وغيرها، ويمكن أن تحوّل مصر إلى دولة مواجهة. وعندما يجري بناء "ريفييرا الشرق الأوسط" والمشاريع التي يخطط لها ترامب في غزة أمام أنظار مئات الآلاف من الغزيّين على أنقاض منازلهم التي ستتحول إلى قرى سياحية، فإن هذا الحلم الوردي سيتحول بسرعة إلى كابوس.

بيد أن السعي للتصدي للتهديد الناجم عن نقل المواجهة الإسرائيلية الفلسطينية إلى أراضي الأردن ومصر يضعهما تحت رحمة قبضة ترامب الذي يهددهما اقتصادياً. تُعتبر مصر والأردن دولتين أساسيتين في المحور العربي الموالي للغرب، ولأميركا، وهما تعتمدان كثيراً على المساعدة الاقتصادية الأميركية، وليس المقصود فقط المبالغ الإسمية التي تحصل عليها كلٌّ منهما. فهذه المساعدة الاقتصادية تشكل غطاءً سياسياً يُستخدم كضمانة ضرورية من أجل الحصول على قروض من المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، فضلاً عن اتفاقات تجارية بشروط مريحة، ومساعدات عسكرية، ومظلة دفاعية تؤمنها الولايات المتحدة لهما. كذلك، تحصل هاتان الدولتان على مساعدة سخية من دول الخليج، ولا سيما السعودية ودولة الإمارات. وفي السنة الأخيرة فقط، استثمرت السعودية والإمارات عشرات المليارات من الدولارات في مصر والأردن. نظرياً، إذا أرادت السعودية التصدي لتهديدات ترامب وإنقاذ "شقيقاتها"، يمكنها أن تحلّ محلّ الولايات المتحدة، في مقابل مبلغ أقلّ كثيراً من المطلوب منها دفعه من أجل بناء الريفييرا في غزة. بالإضافة إلى ذلك، صرّحت السعودية، قبل أسبوعين، باستعدادها لتوظيف نحو 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع لولاية ترامب. الرئيس الأميركي الواثق بأنه قادر على انتزاع تريليون آخر من جيب بن سلمان، سيضطر إلى أن يختبر مَن يملك سلطة اقتصادية أكبر.

لكن ما من دولة واحدة من هذه الدول تريد أن تصل إلى مواجهة مع الولايات المتحدة، تماماً مثلما لا يريد ترامب التخلي عن صندوق الرخاء الاقتصادي الذي تقترحه عليه السعودية، ولا التخلي عن التطبيع الذي يطمح إليه بين السعودية وإسرائيل. حالياً، يبدو في ضوء الموقف السعودي الصارم، والمعارضة الشديدة من "الدول المضيفة"، ومن دول المنطقة عموماً، فضلاً عن الانتقادات التي سُمعت في الكونغرس ضد خطة الترانسفير، فإن ترامب مضطر إلى تبنّي جدول أولويات جديد.

من المحتمل أن يضطر التطبيع إلى الانتظار إلى أن يتم إيجاد صيغة معقدة بما فيه الكفاية لقضية الدولة الفلسطينية، يمكن أن ترضي السعودية، وتحافظ على ائتلاف نتنياهو. في هذه الأثناء، من الأفضل أن نحبس أنفاسنا في انتظار الإعلان بشأن مستقبل الضفة وضمها إلى إسرائيل، الأمر الذي وعد ترامب بتقديمه في غضون 4 أسابيع. لقد استخدمت دولة الإمارات وقف عملية الضم في الولاية الأولى لترامب كذريعة من أجل توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل، ويمكن تكرار ذلك مع السعودية، مع وعد أميركي، لا إسرائيلي، بشأن حق الفلسطينيين في الدولة. حتى ذلك الحين، من الأفضل تبنّي وجهة النظر المدروسة لرئيس الحكومة القطرية الذي امتنع من التطرق إلى خطة إخلاء غزة، واقترح التركيز على استكمال تحقيق صفقة المخطوفين.

 

* تسفي برئيل 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق