"وعد ترامب".. كيف يمكن للعرب أن يفشلوا "بلفور" الثاني؟ - ميديا سبورت

0 تعليق ارسل طباعة حذف

 عندما أعلن ترامب عن خُطَّته التي تعد مرحلة مفصلية مصيرية للمنطقة، كان لا بد من ربط تاريخي قد يساعدنا في فهم ديناميات المرحلة.

هذا الربط التاريخي عاد بنا إلى وعد بلفور، الذي عُدّ كواحد من أهم المحطات، في تاريخ الشرق الأوسط، حين أعلنت بريطانيا -القوة العظمى في ذلك الوقت - دعمها لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

وعد بلفور صدر في 2 نوفمبر 1917. بعد ذلك، استمر التخطيط والترتيب من قبل التحالف الاستعماري والحركة الصهيونية لتحقيق هذا الهدف.

وفي 29 تشرين الثاني 1947، أصدرت الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين (القرار 181)، الذي أوصى بإنشاء دولتين: واحدة يهودية وأخرى عربية. وفي 14 أيار 1948، أعلن ديفيد بن غوريون قيام دولة "إسرائيل"

ثلاثون عاما بين وعد بالفور وإعلان قيام دولة إسرائيل، وهذا يعني فيما يعني، أن التحالف الاستعماري لديه طول نفس، ومدعّم بكل أسباب القوة والمنعة، ما يجعل من عامل الوقت لمصلحته.

بعد أكثر من مئة عام على وعد بلفور، أعلن ترامب رئيس القوة العظمى في العالم حاليا، عن خُطَّته أو أفكاره لتهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار.

مقترحات أو أفكار ترامب، هي نفسها التي ظهرت في فترة رئاسته الأولى وسميت "صفقة القرن"، التي تضمنت خططا لإعادة ترسيم الحدود وتهجير الفلسطينيين. الأمر، الذي لا يدع مجالا للشك أن الخُطَّة هي استراتيجية وليست ردة فعل على الطوفان، كما رردها البعض، قافزين بذلك عن وجود الاحتلال وممارساته كسبب مباشر للطوفان، بل راحوا يشيرون إلى المقاومة محملين إياها مسؤولية إجراءات ترامب وأفكاره.

التحالف الاستعماري العالمي وفي مقدمته أمريكا التي يحكمها لوبي رأسمالي وصهيوني قرر الانتقال للمحطة التالية، بعد أن انتهى من تقسيم جغرافي استعماري، وإنشاء كيان وظيفي بدأ من وعد بلفور. ويمكن القول أن وعد بلفور وخُطَّة ترامب، محطتان وإن كانتا بعيدتان عن بعضهما إلا أنهما على نفس الخط الذي يسير عليه قطار العالم العميق، ونستطيع أن نطلق على خُطَّة ترامب "وعد بلفور الثاني".

على الرغم مما أوردناه وما سيخلفه من بعض إحساس بالخيبة والفزع إلا أن هناك عوامل عدّة كافية لإفشال خطط ترامب ومنع قطار بلفور من الوصول إلى محطته الثانية، ومن أهم تلك العوامل، جدية الرفض العربي

على أن يتجاوز الرفض حدود الترتيبات التي تتم بسقوف الهيمنة الأمريكية وضغطها، وعدم اجترار ذات الحل الذي يمنح للكيان أمنه من خلال مطالبات بتسليم غزة لسلطة عاجزة تتبنى التفاوض الأبدي، ما يعني مزيدا من الاستيطان والتهجير الناعم.

التحالف الاستعماري أو العالم العميق -سمه ما شئت-. الذي أدار منطقتنا بالنظام المالي وبالترهيب والاستبداد والاستغلال والابتزاز، يتهيأ إلى إدارتها بالاستيطان والإحلال الديموغرافي، أي انتزاع الأرض، ما يعني تقويضا لأنظمة الحكم فيها. ولأن خُطَّة ترامب أو المحطة التالية لوعد بلفور الجديد، جاءت دون الحد الأدنى دبلوماسيا، لم تترك للنظام الرسمي العربي منفذا للمناورة، كان لا بد وأن تُرفض، مع توقعات بأن يتمسك الرسمي العربي بالرفض لأقصى مدى، وهذا يتطلب مساندة شعبية قوية وكثيفة لمؤسسات الحكم ومساعدتها على الصمود.

العامل المهم الآخر، وقد يوازي عامل رفض الرسمي العربي بالأهمية في افشال المخططات، هو المقاومة التي أثبتت أن لها خطوط دنيا لن تنزل تحتها. وأن الضغوط مهما بلغت لن تذهب بها إلى "الواقعية والبراغماتية" بل سيرفع سقوف المقاوم برغم الصعوبات التي تحيط به.

ففي اليوم التالي للطوفان شن جيش الكيان حربه الضروس -لا أظن أن الأرض شهدت مثل شراستها-. جعلت دولة الاحتلال لحربها أهدافا صريحة وأخرى مضمَرة.. وراح جيشها يدك التجمعات السكانية، ولم يترك سلاحا صنعته دولة من دول الأرض دعمته به، إلا جربه على شعب غزة. لقد أراد الاحتلال أن يقلب الطوفان، بنيران القصف التي يمتلكها جوا وبرا وبحرا، وفي ظهره قِوَى التحالف الاستعماري وعلى رأسهم أمريكا. ووقفت غزة تدفع كل هؤلاء عنها وحدها بلا ظهير، إلا من إسناد محمود مشكور لم يُسعف أصحابَه بالربط العضوي مع استراتيجيّة الطوفان نتيجة الارتهان إلى استراتيجية موازية أملت "قواعد اشتباك".

ظلت المقاومة الإعجازية صامدة تقاوم وتثخن في جيش الاحتلال، ولم تنثن، ولم تفتر، ولم تنحن، ولم تختف ولم تتخل أو تستسلم، حتى جاء يوم توقيع وقف إطلاق النار، الذي لم توقعه مع الكيان فحسب، بل وقعت مع كل الشركاء في جريمة الإبادة.

خُطَّة ترامب ليست قدرا، والاحتلال ليس قدرا وهذه نتيجة مباشرة للمعركة التاريخية التي شهد العالم أطوارها لحظة بلحظة، التي أصبح الكيان بها مهددا وجوديا لأول مرة منذ إنشاؤه، ولا "يوما تاليا" إلا يوم غزة ومقاومتها. ولا تسليم ببقاء الاحتلال وذلك باستمرارية المقاومة والتواصل معها ودعمها، إضافة إلى عنوان سياسي فلسطيني جامع على قاعدة المقاومة.


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق