الاتحاد الأوروبي.. والتعريفات الجمركية الأمريكية - ميديا سبورت

0 تعليق ارسل طباعة حذف

د. عبدالعظيم حنفي*

أحدثت عودة دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، قلقاً أوروبياً، لطالما انتقد الرئيس ترامب الاتحاد الأوروبي بشدة. فقد أشار مراراً إلى العجز التجاري الكبير بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذي بلغ نحو 131 مليار دولار في عام 2022 و208 مليارات في عام 2023 وبلغ الفائض التجاري للاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة 20.5 مليار دولار في أكتوبر 2024، مقارنة بأقل من 17.5 مليار دولار خلال نفس الشهر من العام السابق. هذا الفائض التجاري يشكل جزءاً من فائض الحساب الجاري للاتحاد الأوروبي مع بقية العالم، والذي قفز من 64.4 مليار دولار في الربع الثاني من عام 2023 إلى 134.4 مليار دولار في الربع الثاني من عام 2024. وقدم ترامب تلك الأرقام باعتبارها دليلاً على ما وصفه استغلال الأوروبيين للسذاجة الأمريكية وعدم التزامهم بالقواعد العادلة بسبب قواعده الخاصة بالتجارة والأعمال، كما اتهم الاتحاد الأوروبي برفض شراء المنتجات الزراعية والسيارات من الولايات المتحدة. وفي هذا السياق وعد ترامب بفرض تعريفات جمركية لا تقل عن 10% على جميع الواردات القادمة من شركاء تجاريين أوروبيين رئيسيين.
تبني الولايات المتحدة لسياسات تجارية أحادية الجانب يهدد بتقويض المصالح الاقتصادية الجماعية للاتحاد الأوروبي وتفتيت وحدته، ما يطرح على الاتحاد الأوروبي تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة.
1- موقف ترامب التفاوضي مع الاتحاد الأوروبي أقوى من أي وقت مضى، إذ يتمتع الحزب الجمهوري بأغلبية في كلا مجلسي الكونجرس، كما فاز بالتصويت الشعبي، في حين الأوضاع السياسية الأوروبية ليست في أحسن أحوالها.
2 – الاقتصاد الأوروبي ليس في حالة جيدة. فمن بين أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم، نما الاقتصاد الصيني بنسبة 5% في عام 2024، والاقتصاد الأمريكي بنسبة نحو 3%، بينما نما اقتصاد الاتحاد الأوروبي بنسبة نحو 1% فقط. لذا، فإن أوروبا ليست في وضع جيد للتعامل مع الرئيس ترامب
3- حالة عدم اليقين التي أحدثتها سياسات ترامب التجارية، من شأنها أن تؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي وإطالة أمد الركود الاقتصادي المستمر في الاتحاد الأوروبي. ففي عامي 2023 و2024، كان نمو منطقة اليورو باهتاً (0.4% و0.8% على التوالي) وتشير التوقعات إلى تعزيز طفيف فقط في عامي 2025 و2026 (1.3% و1.6% على التوالي) (وفق تقرير المفوضية الأوروبية 2024).
التعامل الأوروبي مع تهديد التعريفات الجمركية عبر ثلاثة مسارات:
المسار الأول، استراتيجية: اشترِ الأمريكي.
(أ) استراتيجية دفتر الشيكات، عبر تقديم تنازلات اقتصادية لإرضاء ترامب. من خلال عرض شراء سلع وخدمات محددة من الولايات المتحدة. وزيادة الاعتماد على الولايات المتحدة كمصدر بديل للغاز الروسي. كما يفكر مسؤولو الاتحاد الأوروبي في زيادة شراء المعدات الدفاعية الأمريكية.
(ب) «استراتيجية يونكر»، ذلك أنه خلال إدارة ترامب الأولى، لتجنب حرب تجارية وبشكل أكثر تحديداً تعريفات جمركية جديدة على سيارات الاتحاد الأوروبي، التقى رئيس المفوضية الأوروبية آنذاك جان كلود يونكر بالرئيس ترامب وتعهد الاتحاد الأوروبي بشراء المزيد من السلع الأمريكية، وخاصة الغاز الطبيعي المسال وفول الصويا. نجحت «استراتيجية يونكر» لعام 2018 في ذلك الوقت. ارتفعت واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي المسال وفول الصويا بشكل كبير: حيث زادت واردات الغاز الطبيعي المسال عدة مرات، وإن كان ذلك من قاعدة منخفضة للغاية في حين تضاعفت واردات فول الصويا بأكثر من الضعف في الأشهر ال12 التي أعقبت اجتماع ترامب ويونكر، لتصل إلى 70٪ من حصة السوق (ارتفاعاً من 36٪ في العام السابق). من جانبها، لم تصعد الولايات المتحدة التوترات التجارية بفرض رسوم جمركية إضافية على سيارات الاتحاد الأوروبي. ووفق تلك الاستراتيجية، قد يأتي الاتحاد الأوروبي إلى طاولة المفاوضات باقتراح لشراء المزيد من السلع الأمريكية (الأسلحة، والغاز الطبيعي المسال، والمنتجات الزراعية)، كما في عام 2018.
المسار الثاني، نهج استخدام سلاح «البازوكا:
هناك تيار آخر من المسؤولين الأوروبيين لا يعتقد أن بضع خطوات رمزية مثل «اشترِ الأمريكي» ستكون كافية لإقناع ترامب بالتراجع عن فرض تعريفات جمركية على أوروبا. بدلاً من ذلك، يدعو ذلك التيار إلى نهج أكثر حزماً يقوم على التهديد بفرض تعريفات جمركية معادلة بنسبة 10% على جميع الواردات الأمريكية، استعداداً لأي تصعيد اقتصادي محتمل. مع استخدام سلاح «البازوكا» في الحرب التجارية المحتملة مع واشنطن، التي تشمل اتخاذ مجموعة واسعة من الإجراءات الانتقامية، مثل إلغاء حماية حقوق الملكية الفكرية أو استغلالها تجارياً، بما في ذلك تنزيل البرامج وخدمات البث. كما تسمح الأداة بحظر الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو تقييد الوصول إلى الأسواق في مجالات مثل البنوك والتأمين والخدمات المالية الأخرى.
ومع ذلك، من غير المرجح أن تؤدي هذه الخطوة إلى تقليص الفائض التجاري للاتحاد الأوروبي بشكل كبير في مواجهة الولايات المتحدة.
ففي أعقاب اتفاق يونكر وترامب، استمر الفائض التجاري الثنائي للاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة في الارتفاع، وبالتالي لم تحقق إدارة ترامب الأولى إعادة التوازن التجاري الذي كانت تبحث عنه. ومن المرجح أن تكون هذه هي النتيجة هذه المرة، عل الأقل لثلاثة أسباب:
(1) هناك حدود لكمية الغاز الطبيعي المسال والمنتجات الزراعية التي يمكن للاتحاد الأوروبي شراؤها من الولايات المتحدة.
(2) من المحتمل أن تؤدي الفوارق في النمو بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والارتفاع الأخير في قيمة الدولار إلى زيادة صافي صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة. ومن الممكن أن تضاعف الإدارة الجديدة طلباتها إلى الاتحاد الأوروبي لشراء المزيد من المنتجات الأمريكية أو مواجهة تعريفات جمركية جديدة.
(3) يستلزم هذا الخيار أن تظل الدول الأعضاء موحدة وتسمح للمفوضية بالتفاوض دون محاولة عقد صفقات خلف ظهرها. وإذا واجهت الدول الأعضاء الإدارة الجديدة في حالة من التشتت، فسوف تدفع ثمناً اقتصادياً باهظاً.
المسار الثالث، إصلاح اقتصادي عميق:
وهذا المسار يرى أن المشكلة الأساسية في كل هذه الاستراتيجيات الواردة أعلاه، قصيرة الأجل في أنها تتجاهل التحديات البنيوية طويلة الأمد التي يعانيها الاتحاد الأوروبي فهو لا يعاني نقصاً في المدخرات أو في فرص الاستثمار، بل من ضعف في القدرة على توجيه الأموال بكفاءة داخل حدود الاتحاد الأوروبي ولذلك فهو بحاجة إلى مقاربة جريئة وشجاعة لكي يعود إلى القمة، وأول خطوة هي القيام بإصلاح اقتصادي عميق يهدف إلى تقوية وتوسيع وتعميق كل جانب من جوانب السوق الموحدة.
* كاتب وباحث أكاديمي مصري

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق