نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق : النقل العمومي .. يسير إلى الوراء .. - ميديا سبورت, اليوم الخميس 13 فبراير 2025 10:17 مساءً
نشر في الشروق يوم 13 - 02 - 2025
رغم أن عدة قطاعات وخدمات عمومية تمكنت في السنوات الأخيرة من تطوير أدائها ونجحت ولو نسبيا في بعض الإصلاحات وفي إدخال بعض التحسينات ولو ببعض التأخير والصعوبات، على غرار الصحة والتعليم والبنية التحتية، إلا أن قطاع النقل العمومي ظل واقفا في مكانه بل أن جانبا كبيرا منه أصبح "يسير إلى الوراء". وباستثناء انطلاق عمل خطين لمشروع القطار السريع، لم يشهد قطاع النقل العمومي منذ 2011 أي تجديد ولا تطوير وظل يشهد حالة من الضعف والارتباك والهشاشة وتدهورت حالته وفقد الكثير من مكاسبه خاصة في ظل تدهور حالة الأسطول وكثرة اعطاب ونقص المعدات وعدم انتظام السفرات والاكتظاظ الكبير.
يقول المثل الشهير" عندما يكون قطاع البناء بخير يكون كل شيء بخير" Quand le bâtiment va, tout va . لكن اليوم، ووفق ما أثبتته التجربة في عديد دول العالم يجوز القول انه " عندما يكون قطاع النقل بخير يكون كل شيء بخير". فأغلب الدول التي حققت على مر التاريخ وإلى حدود السنوات الأخيرة تطورا اقتصاديا وتنمويا واجتماعيا لافتا تمكنت من ذلك بفضل تطور قطاع النقل فيها، خاصة النقل الحديدي بين المدن لنقل الأشخاص والسلع، وأيضا النقل الحضري الذي يعتمد على الحافلات والمترو والتاكسي والترامواي لنقل العمال والموظفين، الى جانب النقل الجوي والنقل البحري..
ويمثل قطاع النقل بمختلف فروعه شريانا هاما للاقتصاد ولحياة المجتمع باعتباره يسهل النشاط الاقتصادي ويساعد الناس على التنقل في ظروف جيدة الى مواقع العمل والدراسة أو لقضاء مختلف الشؤون. كما يساعد ايضا على ترشيد استهلاك الطاقة لانه سيقلص من استعمال السيارة الخاصة . وفي المقابل يكون تردي حالة النقل أبرز أسباب التعطيل الاقتصادي وتراجع المردودية والانتاجية في العمل والدراسة، وأيضا من أسباب الاحتقان الاجتماعي. فكم من حادثة عنف لفظي وجسدي حدثت بسبب تردّي حالة النقل العمومي، وكم من حادثة اعتداء تعرضت لها وسائل النقل للسبب نفسه. وهو ما يجب ان يمثل ناقوس خطر لما آل إليه وضع النقل في بلادنا.
ولا يقتصر الامر على النقل العمومي المنتظم (التابع للدولة) بل يشمل النقل العمومي غير المنتظم للأشخاص والذي يشمل سيارات التاكسي الفردي والتاكسي الجماعي والتاكسي السياحي والأجرة ''لواج''. فهذا الصنف من النقل الذي من المفروض أن يعاضد جهود الدولة في توفير خدمة النقل للناس زاد من معاناة المواطن بالنظر الى ما أصبح يحدث داخله من فوضى. حيث اصبح المواطن يذوق الأمرّين عند البحث عن تاكسي فردي بسبب الممارسات غير المشروعة التي يعتمدها بعض السواق أبرزها اجبار الحريف على الركوب بتعريفة التطبيقات الرقمية المرتفعة أو كذلك ما يحصل من ممارسات في المطارات والموانئ. كما ان قطاع التاكسي الجماعي بدرجة أقل قطاع اللواج يشهد بدوره حالة من الفوضى التي يعاني منها المواطن.
في تونس، مازال قطاع النقل العمومي دون مستوى انتظارات التونسيين لخدمة راقية ومتطورة ومتوفرة باستمرار ودون انتظارات الدولة لمعاضدة جهود التنمية والتطوير الاقتصادي. فشركات النقل المختلفة شهدت منذ 2011 تراجعا غير مسبوق على مستوى خدماتها حيث تقلصت أساطيل الحافلات والقطارات وعربات المترو بشكل لافت بعد ان تعددت اعطابها وتردت حالتها وتقلص عدد السفرات وازدادت نسبة الاكتظاظ والتعطيلات. وهو ما يدفع في كل مرة الى التساؤل عن حقيقة الأسباب الكامنة وراء كل ذلك: هل بسبب الصعوبات المالية التي تعاني منها شركات النقل، وإن كان الأمر كذلك هل هو بسبب سوء التصرف والتسيير أم بسبب عدم قدرة القائمين على القطاع على الإصلاح والتطوير وغياب الكفاءة اللازمة لديهم، أم لأسباب أخرى؟
سيظل قطاع النقل بمختلف فروعه على هذا الحال ما لم تعجل الدولة وسلطة الاشراف بانقاذه وما لم يقع التوصل إلى حلول لتوفير الاعتمادات المالية اللازمة للإصلاح – ولو على حساب نفقات أخرى –ولوضع استراتيجيات انقاذ واقعية وقابلة للتنفيذ ولتحميل المسؤولية كاملة للاطراف المعنية حتى يرتقي الى مستوى الانتظارات منه.
فاضل الطياشي
.
0 تعليق