كتب كمال ميرزا -
يتوافق الجميع في الخطاب الرسميّ العربيّ (والإسلاميّ) بأنّ "المصلحة" ستكون الفيصل الأول والأخير في حسم أيّ قرارات سيتم اتخاذها، ومقترحات سيتم تقديمها، حيال حرب الإبادة المفتوحة التي يشنّها العدو الصهيو - أمريكيّ على أهالى غزّة والضفة ومقاومتهم، ومخططات التهجير والضم وإعادة رسم ملامح الشرق الأوسط.
الحديث عن "المصلحة" يلقى ترحيب وتأييد وتهليل غالبية الشعوب و"الجماهير" العربيّة إنْ اقتناعاً أو "تسحيجاً" أو طاعةً عمياء أو سيراً مع التيار.
ما يغفله أو يتغافل عنه الغالبية أنّ مقولة "المصلحة" حتى تكتمل صورتها وتتضح معالمها فلا بدّ من امتلاك إجابة واضحة ومحدّدة عن سؤالين رئيسيّين:
أولاً: ما هي حدود هذه المصلحة؟
مكانيّاً هل هي مصلحة الأمّة؟ أم المصلحة القوميّة؟ أم المصلحة القُطْريّة؟ أم مصلحة نُخب وفئات وجماعات معيّنة أو أفراد معيّنين داخل كلّ بلد؟
وزمانيّاً هل هي مصلحة التوّ واللحظة؟ أم المصلحة متوسطة المدى؟ أم المصلحة الإستراتيجيّة ومصلحة الأجيال القادمة؟
ثانياً: ما هو المقصود أساساً بكلمة "مصلحة"؟
كما يقولون في لغة العلم: "لا مُشاحّة في المصطلح"، بمعنى استخدم ما تشاء من مصطلحات وتعابير، العبرة في المفهوم، أي في المعنى الذي تقصده بهذا المصطلح.
المعنى الدارج والراسخ والمفروض فرضاً للمصلحة في ظلّ نظام رأسماليّ عالميّ تحكمه مرجعيّة وقيم ومعايير المصنع/ السوق، وتتحكّم به بورصات وبنوك ومؤسسات تصنيف ائتمانيّ وصناديق سياديّة وشركات عابرة للقارّات ومقرضون.. هو المصلحة بمعناها الماديّ/ الاقتصاديّ/ الآنيّ المباشر.
والمشكلة أنّ "المصلحة" في ضوء هذا التعريف الرأسماليّ، وحتى في أقصى درجات تحقّقها مثاليّةً واكتمالاً وشمولاً، تصبّ فقط في صالح "الأقليّة" على حساب "الأكثريّة".. فما بالنا في الحالات التي يمكن أن يكون فيها هذا التحقُّق منقوصاً أو مشوهّاً أو مُستلَباً!
في الرأسماليّة هناك دائماً قلّة مستفيدة على حساب أكثريّة متضرّرة، وقلّة تملك على حساب أكثريّة لا تملك، وقلّة تسلب الفائض على حساب أكثريّة يُسلب منها الفائض، وقلّة تتحكّم وتحكم على حساب أكثريّة خاضعة وتابعة.
المسألة هنا ليست مسألة سوء في التطبيق، هذه هي الرأسماليّة بما هي رأسماليّة، ولا يوجد في الرأسماليّة ولو على مستوى الفَرَض النظريّ حالة أو صيغة يكون فيها الجميع أو الغالبية فائزون!
هناك سؤال إضافيّ يمكن أن ينبثق عن السؤال الثاني حول معنى "المصلحة" وهو: حتى لو سلّمنا بالتعريف الرأسماليّ للمصلحة، مَنذا الذي يحتكر حقّ التطبيق، بمعنى سلطة تحديد ما يمثّل مصلحةً وما لا يمثّل مصلحةً وأي منحى سينحو وفي أي اتجاه سيصبّ؟
أخشى أنّ أهالي غزّة والضفة ومجمل الشعب الفلسطينيّ وعموم الشعوب العربيّة والإسلاميّة لن يكون لهم مصلحة في تعريف أولي الأمر وأصحاب القرار للمصلحة!
0 تعليق