أثر استثمار الموروث الشفوي في صناعة الدراما - ميديا سبورت

0 تعليق ارسل طباعة حذف
جو 24 :

 

يشكل الموروث الشفوي أحد أبرز مصادر الإلهام في صناعة الدراما، حيث يوفر مادة غنية تستند إلى القصص والأساطير والأمثال الشعبية التي تناقلتها الأجيال. في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها الإنتاج الدرامي، تبرز أهمية إعادة إحياء هذا التراث وتقديمه في قالب معاصر، ما يسهم في تعزيز الهوية الثقافية، ويمنح الأعمال الدرامية طابعًا أصيلًا وجاذبًا. كما يمكن أن يشكل الاعتماد على الموروث الشعبي مخرجًا للأزمة التي تواجه الدراما في الأردن، من خلال تقديم أعمال تعكس الواقع الاجتماعي والثقافي بطرق أكثر قربًا من الجمهور.

يعتبر الموروث الشفوي ذاكرة الشعوب التي تحفظ تاريخها وقيمها عبر الزمن. وعندما يتم توظيفه في الدراما، يصبح وسيلة فعالة لنقل العادات والتقاليد إلى الأجيال الجديدة بأسلوب مشوق. كثير من الأعمال الدرامية التي استندت إلى الحكايات الشعبية استطاعت تحقيق نجاح كبير، لأنها تقدم محتوى يرتبط وجدانياً بالمشاهدين ويعكس جانبًا من هويتهم الجماعية.

شهدت الدراما العربية العديد من التجارب الناجحة التي استلهمت من الموروث الشفوي، مثل مسلسل "الزير سالم" الذي قدم قصة ملحمية استمدت قوتها من الروايات الشفهية المتداولة عبر العصور. وعلى الصعيد الأردني، كانت هناك أعمال درامية بارزة مثل "نمر ابن عدوان" و"وجه الزمان" و"عطر النار"، التي استندت إلى الموروث الشعبي الأردني وحققت نجاحًا كبيرًا.

إلى جانب هذه الأعمال، تأتي المسلسلات البدوية التي تعد واحدة من أكثر الأعمال انتشارًا، إذ تعتمد بشكل أساسي على الموروث الشعبي الأردني، وكانت صاحبة الفضل في إيصال الإنتاج الأردني إلى المشاهد العربي، مما جعلها عنوانًا للتميز في هذا المجال. وعلينا ألا نجلد أنفسنا عندما يُقال إننا لا زلنا نعتمد على العمل البدوي، فهذا ليس تأخرًا بل هو تميزٌ وخصوصيةٌ نفتخر بها. فهل نخجل من موروثنا الذي يمثل أصالتنا وثقافتنا؟ على العكس، يجب أن نستثمره ونطوره ليبقى حاضرًا بقوة في المشهد الدرامي العربي

رغم الإمكانيات الكبيرة التي يتيحها الموروث الشفوي، إلا أن تحويله إلى أعمال درامية يواجه عدة تحديات، أبرزها الحاجة إلى إعادة صياغة النصوص بشكل يحافظ على أصالتها، مع مراعاة تطلعات الجمهور المعاصر. كما أن عملية البحث والتوثيق تلعب دورًا محوريًا في ضمان دقة الطرح، مما يتطلب جهداً كبيرًا من قبل الكتاب والمخرجين. في السياق الأردني، يمكن أن يكون الاستثمار في هذه القصص حلًا مناسبًا للأزمة التي تعاني منها الدراما المحلية، من خلال تقديم محتوى يحمل طابعًا ثقافيًا محليًا قادرًا على المنافسة.

ولضمان استدامة هذا النهج في الدراما، من الضروري تبني أساليب حديثة في التقديم والمعالجة البصرية، بحيث يتم المزج بين الأصالة والحداثة. كما أن دعم المشاريع التي تعيد إحياء الموروث الشفوي وتعزز الاهتمام به يمثل خطوة ضرورية للحفاظ على هذا الإرث الثقافي. في الأردن، يمكن أن يكون الاستثمار في الدراما المستوحاة من التراث الشعبي أحد الحلول الفعالة لمواجهة التحديات التي تواجه الإنتاج الدرامي، خاصة في ظل الحاجة إلى أعمال تحمل هوية محلية واضحة وقادرة على جذب المشاهدين.

في المحصلة، يشكل استثمار الموروث الشفوي في الدراما إضافة نوعية للصناعة الفنية، إذ لا يقتصر دوره على الترفيه، بل يتعداه ليكون أداة لحفظ الهوية الثقافية وإحياء الذاكرة الشعبية، ما يجعل منه ركيزة أساسية في بناء محتوى درامي غني ومؤثر.


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق