قبل صدور كتابه «عادل إمام الذى لا تعرفه.. سنوات الصدمة وأسرار القطيعة» عن دار ريشة فى معرض الكتاب القادم.. يختص الأستاذ عادل حمودة صفحات روزا بنشر الفصول الكاملة لكتابه على حلقات، نشر بمثابة الحق للأستاذ عادل والحق عليه. حقه لأنه أحد أبرز نجوم روزا الكبار و«أقرب دليل» على صحوة المدرسة وصحتها.
وحق عليه لأن بنيان كتابه دار جزء كبير منه على صفحات روزا وبالتالى فهى أحق بالنشر حتى قبل دور النشر.
وحتى لا توجه لـ«حمودة» تهمة «ازدراء عادل إمام» أو التجنى عليه.. عليك أن تقرأ فصول كتابه بعقل فعال لا منفعل.. وأن تفكر فى الوقائع ثابتة الحدوث لا فى النجم بعقل مهووس. بالمناسبة.. اسمح لى أن أفاجئك: هذا ليس كتابا عن عادل إمام.. ولكنه عن «ظروف لولاها لصار عادل إمام كومبارس».
عن جلسات ونقاشات ساخنة دارت بين قامات الفكر والفن والسياسة لم نعرف عنها غير القليل ولم ينشر منها سوى النزر اليسير.
عن مصر بين المنصورية والعمرانية. وعن أهواء النجومية وهواها. خلال الحلقات ربما ستعرف الكثير عن قواعد الصعود فى زمن ما.
عن روزا التى حكت كل شىء.. ولا تزال الحكاية- حتى اليوم- ابنة لألسنة أبنائها وأقلامهم.
من الشهرة إلى الشعبية فى محطة أسيوط!
يعيش الصحفى فى حالة صدام يومى بين مثل أعلى يحلم به وواقع صعب منحدر يعيشه. ما إن اغتيل «أنور السادات» فى حادث «المنصة» حتى وجدت مصر نفسها فى ظروف انفجارية جعلتنى متأهبا. متحفزا. مشدود الأعصاب مثل نمر فى غابة.
شهدت لحظات قتل الرئيس فى المنصة وشهدت هروب نائبه بعد خلع سترته العسكرية وشهدت محاكمة القتلة وانفردت بالحوار الوحيد معهم ونشرته فى روز اليوسف يوم الاثنين 20 نوفمبر 1981 ونقلته وكالات أنباء وصحف أجنبية وسحب تصريحى من ضابط المخابرات الحربية المسئول عن الميديا وإن تصالحنا فيما بعد.
لكن قبل ذلك وبالتحديد يوم 9 أكتوبر السابق سافرت إلى أسيوط لتغطية أحداث عيد «الأضحى» أنا والمصور الصحفى «صلاح أحمد» حين هاجمت الجماعة الإسلامية قوات الشرطة وسعت إلى السيطرة على المدينة لتعلن منها «الخلافة الإسلامية» قبل أن تضغط على المحافظات الأخرى بقوة السلاح للاعتراف بها. ولو شئت الكثير من التفاصيل ستجدها فى كتابى «قنابل ومصاحف»،على أن الأهم من تغطية عواصف النار التى هبت على عاصمة الصعيد هو البحث عن جذور الأزمة التى انفجرت رصاصا ودما وتشددا وتعصبا وتخلفا.
أراد «السادات» التخلص من معارضة التيارات اليسارية بكل فصائلها فوافق على خطة تشكيل وتشجيع وتمويل وتقوية الجماعات الإسلامية لتواجه «أولئك الكفرة» على أحد منشوراتها.
وضع الخطة محافظ أسيوط «محمد عثمان إسماعيل» وصهر الرئيس «عثمان أحمد عثمان» واعتمدت ميزانية رئاسية من المصروفات السرية.
تحمس «السادات» للفكرة دون أن يتصور أنه سيدفع ثمنها غاليا من حياته ونظامه فيما بعد. لم يستوعب حقيقة أن من يركب ظهر النمر سيفترسه. اختيرت البداية فى أسيوط بحكم حماس محافظها. وكانت الجامعة هناك الحاضنة المناسبة.
كانت جامعة أسيوط جامعة بلا أسوار حتى يسهل التحامها بالمجتمع المحافظ المتشدد لتغييره وتطويره بأسلوب سلس.
لكن التنظيمات الإسلامية التى تنامت فيها فصلت بين الطلبة والطالبات فى المحاضرات وحرمت الندوات الثقافية والفنية ومجلات الحائط التى وصفت بالعلمانية وأغلقت المسرح ومنعت سير الرجال والنساء معا بالقرب من الجامعة وكانت الجنازير جاهزة لضرب من يعترض أو من لا يرضخ.
وهكذا تحولت الجامعة التى أنشئت لتهيئة الصعيد لحياة حضارية مختلفة ولتوسيعه مدارك سكانه إلى تنظيمات مخيفة ومسيطرة ، بينما أغمضت الشرطة عينيها بتعليمات من جهات عليا لم يحددها أحد.
ولم تمر سوى سنوات قليلة حتى انتقل العنف من الجامعة إلى خارجها ومن مدينة أسيوط إلى المراكز والقرى وعرفت مصر للمرة الأولى أن هناك قرية تسمى «كودية الإسلام» بعدما حدث فيها.
قرية صغيرة. لا يزيد عدد سكانها على نصف مليون نسمة. تتبع مركز ديروط. لا يمر عام إلا وتكرم مئة طفل من حفظة القرآن إلا أن شباب القرية كون فرقة مسرحية قدمت عرضا فى صيف عام 1988 يدعو الناس إلى التمسك بالأرض وعدم الهجرة بحثا عن عمل فى بلاد النفط.
ولكن «الجماعة الإسلامية» التى اعتبرت التمثيل حراما هاجمت الفرقة بالجنازير والسيوف وهدمت المسرح فوق رأسها وقتلت ممثلا منها وضربت الآخرين حتى النزيف وقبضت عليهم وحبستهم ولم تعفو عنهم إلا بعد أعلنوا توبتهم عن المنكر الذى ارتكبوه.
فى ذلك الوقت كان «عادل إمام» يقدم مسرحية «الواد سيد الشغال».
إنها المسرحية الثانية من بطولته بعد مسرحية «شاهد ما شفش حاجة» التى قدمها عام 1976 وحققت رقما قياسيا وصل إلى أربعة ملايين مشاهد طوال ثمانى سنوات من العرض وأخرجها «هانى مطاوع».
المسرحية أخذت عن تمثيلية إذاعية بعنوان «حدوتة الأرنب سفروت» وقبض مؤلفاها 100 جنيه مقابل التنازل عنها ولكنهما لجأ إلى القضاء لعدم كتابة اسميهما على إعلانات المسرحية وحصلا على 30 ألف جنيه تعويضا.
ولكن الحقيقة أن المؤلف الحقيقى للتمثيلية والمسرحية هو الممثل البريطانى السير «بيتر استينوف» الذى يلعب دور المحقق البوليسى «هركيول بوارو» فى روايات «أجاثا كريستى».
فى وقت عرض المسرحية كان فى مصر لتمثيل فيلم «جريمة على النيل» عن قصة «أجاثا كريستى» وعرف أن قصة المسرحية لا تختلف كثيرا عن قصة «اليوم 42200 ثانية» التى نشرها عام 1959 فى مجموعته «غرفة حفل طبق الطعام».
لكنه لم يجد من ينصفه ويعوضه أدبيا وماديا وكان أن صرح:
«يبدو أن جينات الوسط الفنى فى مصر تجاوزت الكذب إلى السرقة».
تعلم «سمير خفاجى» الدرس واختار مسرحية لها مؤلف شرعى هو «سمير عبدالعظيم» ،لكنه لم يختر عنوانها «الواد سيد الشغال» وإنما اختاره مخرجها «حسين كمال».
بدأ عرض المسرحية فى عام 1985 ليقع حادث قرية «كودية الإسلام» بعد ثلاث سنوات.
كان وزير الداخلية «زكى بدر» يشاهد المسرحية هو وبعض رجاله وما إن انتهى العرض حتى وجد «عادل إمام» يدعوه إلى حديث مهم فى غرفته وراء الكواليس.
جاء «زكى بدر» وزيرا للداخلية فى أول مارس عام 1986 من أسيوط التى كان محافظا لها. سأله «عادل إمام»:
ــ سيادة الوزير هل تابعت ما حدث فى قرية «كودية الإسلام»؟
ــ طبعا هو أنا نائم على ودانى؟
ــ العفو يا فندم لكن لا بد أن نواجه تلك الجماعات هناك فى معقلها وإلا زحفت إلينا هنا وأطفأت أنوار المسارح ودور السينما فى باقى البلاد.
ــ مش فاهم؟
ــ أنا يا أفندم مستعد أسافر أسيوط وأعرض مسرحيتى هناك للتضامن مع الفرقة الفنية المحلية الصغيرة.
ــ أنت متأكد من كلامك.
ــ سيادة الوزير أنا عارف أن الموقف صعب جدا وخطر جدا ولكن لا بد من المغامرة ولو بحياتنا حتى لا ينتصر أنصار الظلام.
ــ لو كنت قررت ذلك فعلا فأنا معك ونحن لسنا خائفين منهم وعليك تحديد الموعد ونحن على أتم الاستعداد.
سمعت هذا الحوار من «زكى بدر» بعد خروجه من الوزارة وكنا فى جناح رجل الأعمال «ناصر عبداللطيف» فى فندق «ماريوت» القاهرة وأتذكر أنه كان يتعافى من جراحة فى البروستاتا. وعلى غير عادته أشاد بموقفى ضد التيارات المتشددة عندما كنت مسئولا عن تحرير روز اليوسف ولكنه فاجأنى بسؤال غير متوقع:
ــ هل أجريت جراحة البروستاتا؟
ابتسمت ولم أعلق.
لكن أردت أن أعرف خبايا ما حدث فى أسيوط بعد أن سافر «عادل إمام» إليها لعرض مسرحيته.
على أننى لم أكن فى حاجة إلى سؤاله عن قبوله هذه المخاطرة الأمنية فهو بطبيعته التى اشتهر بها متجاوز الحدود فى كل شىء.
لكننى عرفت من أحد مساعديه أنه أراد تبييض وجهه ولو لبعض الوقت بعد أزمته المزمنة مع قيادات ووزراء الحكومة وكبار الكتاب الذين وجه إليهم ألفاظًا سوقية سيئة يعاقب عليها القانون.
وصف زعماء المعارضة بأنهم «دلاديل وشواذ جنسيا وحرامية وهبل وشيوعيون ونصابون ومهربون ويقبضون العمولات».
وتحت قبة البرلمان دخل فى معركة بالأيدى والأحذية مع نائب حزب الوفد «طلعت رسلان» بعد وصلة شتائم وجهها ضد رئيس الحزب «فؤاد سراج الدين» وإحدى قريباته.
حاول «طلعت رسلان» الاعتداء على الوزير وسحب الأوراق التى يقرأ منها فلم يتردد الوزير بصفعه على وجهه وخلع حذاءه وضربه به فى فضيحة أذيعت ليلا على قنوات التليفزيون الحكومى بالصوت والصورة.
غضب «زكى بدر» مما فعل وزير الإعلام «صفوت الشريف» الذى نفذ تعليمات رئيس الحكومة الدكتور «عاطف صدقى» بناء على مكالمة تليفونية من الرئيس «مبارك» نفسه.
فتح «زكى بدر» مواسير لسانه على «صفوت الشريف» ونال فى الطريق من وزراء آخرين مثل «فاروق حسنى» وزير الثقافة و«يوسف والى» وزير الزراعة و«محمد على محجوب» وزير الأوقاف وغالبية المحافظين.
وفى اجتماع أخير مع مجموعة سيدات أدارته «سهير البابلى» لم يستجب لطلبها بالكف عن الشتائم وإن لم تنكر أنه كان معجبا بها ويحبها ويسعده التقاط الصور معها.
لكن فى الاجتماع نفسه أخذته النشوة والتفت إلى صورة «مبارك» التى كانت معلقة على الحائط خلفه قائلا:
ــ هو ده الوحيد «.......» الذى أعمل حسابه.
وكرر المشهد بعد أيام فى مدينة بنها ووصل الفيديو إلى الرئيس بالسباب الذى وجه إليه وفى الدقيقة نفسها أقيل الوزير.
على أن ذلك لا ينفى إعجاب «مبارك» به بل اعتبره أفضل وزير داخلية.
هل كان سبب الإعجاب أوامر القتل التى طلب من رجاله تنفيذها علنًا ضد أعضاء التنظيمات الدينية قائلا:
«ليس هناك ما يمنع من قتل نصف مليون منهم».
وكانت تأشيرته الشهيرة على أوامر اعتقال أمراء الجماعات الإرهابية: «يقتل وأفاد».
لكنه أراد بعملية «عادل إمام» فى أسيوط أن يثبت أنه يستحق منصبه.
عرفت منه فى ليلة «الماريوت» أنه أطلق على العملية اسما كوديا هو «الثلاث ورقات».
وأظن أنها المرة الأولى التى نعرف فيها سر هذه التسمية المثيرة للدهشة.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة بالبلدي ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من بالبلدي ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
0 تعليق