نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
انتقاد رئاسي لمؤسسات معدومة الآداء: هل تحتاج تونس إلى صندوق للأمانات والودائع؟ - ميديا سبورت, اليوم الأربعاء 12 فبراير 2025 11:54 صباحاً
نشر في الشروق يوم 12 - 02 - 2025
تعتبر صناديق الودائع والأمانات من أهم الآليات المعتمدة للاستثمار على المدى الطويل في القطاعات الإستراتيجية وفي المناطق التّي يعزف عنها المستثمرون الخواص. وتلعب هذه الصناديق دورا فاعلا في تنشيط الاستثمار وخلق مواطن الشغل والتّنمية الجهوية. وأحدث صندوق الودائع والأمانات، في تونس، بموجب المرسوم عدد 85 لسنة 2011 المؤرخ في 13 سبتمبر 2011 في شكل مؤسسة عموميّة حيث كلّف بالحفاظ على الموارد سواء الموضوعة على ذمته أو التّي يتولى تعبئتها وذلك من خلال توظيفها في رقاع الخزينة والتّوظيفات المضمونة من قبل الدّولة وفي الاستثمار في الأسواق الماليّة.
وبلغت جملة الموارد الموضوعة على ذمّة الصندوق إلى موفّى سنة 2016 ما قيمته 5.318 مليون دينار تأتت أساسا من إيداعات صندوق الإدخار الوطني التونسي (4.369 مليون دينار) ومن الودائع والأمانات (663 مليون دينار). ويتمّ التصرّف في تلك الموارد بمقتضى اتفاقيتين أبرمتا مع كلّ من وزارة الماليّة والدّيوان الوطني للبريد.
وناهزت الأرباح المجمّعة في نفس التّاريخ 207 مليون دينار. وحسب تقرير رقابي صادر عن الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية، التابعة لرئاسة الجمهورية، أسند صندوق الودائع والأمانات حوالي 53 بالمائة من تمويلات الاستثمارات المباشرة الى 4 شركات تشكو صعوبات مالية وهو ما لا يتماشى مع مبدأ الدخول في المشاريع التي لها ديمومة اقتصادية. كما وافق الصندوق على تمويل احدى الشركات بمبلغ 6.5 مليون دينار في شكل رقاع قابلة للتحويل الى أسهم، بالرغم من كونها تشكو عجزا هيكليا على مستوى رأس المال المتداول إضافة الى تمويل مؤسسات لها هيكلة مالية غير متوازنة وذات نسبة تداين مرتفعة مقارنة بأموالها الذاتية.
وساهم الصندوق كذلك في راس مال شركات تنشط في قطاعات اتبعت الدولة في شأنها سياسة الخوصصة او تشكو حدة المنافسة من قبل الخواص وهو ما يتعارض مع مبادئ الاستثمار التي ضبطها الصندوق لنفسه. وسجل صندوق الأمانات والودائع، حسب تقرير الهيئة، مساهمته في راس مال شركة ناشطة في القطاع السياحي والبالغة 150 ألف دينار نظرا لاستهلاك الشركة المذكورة لكامل رأسمالها قبل بداية نشاطها الفعلي، علما وأنه تم سحب الترخيص المسند الى الشركة المذكورة من قبل هيئة السوق المالية وهو ما يستوجب تصفيتها. وعلى المستوى التنظيمي والتسيير، بين التقرير وجود عدة اخلالات تعلقت أساسا بعدم تفعيل الصندوق لأحكام الفصل 11 من مرسوم احداثه الذي يخول له الانتفاع بالامتياز العام للخزينة فيما يتعلق باستخلاص ديونه وذلك من خلال اصدار بطاقات إلزام طبقا لأحكام مجلة المحاسبة العمومية. ولاحظ التقرير الرقابي في خصوص التصرف في الموارد البشرية، وجود فارق هام بين الأجر السنوي الخام لرئيسي قطب من جهة وأجور بقية رؤساء الأقطاب من جهة أخرى. في نفس السياق، دعا مرصد الشفافية والحوكمة الى مراجعة مالية معمقة لصندوق الودائع والامانات في ظل تأكد ارتكاب مخالفات حيث طلب من رئيس الجمهورية قيس سعيد الاذن لمحكمة المحاسبات بمهمة رقابية معمقة لصندوق الودائع والأمانات اتخاذ حزمة إجراءات أخرى، خاصة وأن الصندوق وخلافا لقواعد التصرف الحذر موّل 8 مشاريع بقيمة 56 مليون دينار تتجاوز التزاماته، في كلّ منها، النّسبة المحددة بقرار وزير الاقتصاد والماليّة.
وطالب المرصد، بإلغاء صندوق الودائع والأمانات وإخضاعه لمراقبة معمقة نظرا لعدم توفّقه في الاضطلاع بالمهام الموكولة إليه وغياب نجاعة نظام حوكمته وعدم تحقيقه للأهداف المرسومة له وبالنظر إلى ضحالة نّتائج تدخلاته خاصّة فيما يتعلّق بإحداث المشاريع ودفع التنمية بالجهات في إطار المبادرة العموميّة أو الخاصّة. وقد تجاوزت التزامات الصندوق في المشاريع التي بادر بها النسبة المضبوطة (40 بالمائة) وذلك بالنسبة إلى خمسة مشاريع بمبلغ جملي يساوي 74 مليون دينار. مثلما تمت إساءة التصرف في حالات تضارب المصالح ممّا ترتّب عنه إبرام الصندوق سبعة اتّفاقيات تتعلّق بعمليّات استثمارية بحوالي 82 مليون دينار مع شركات لها علاقة بأحد أعضاء هيئة المراقبة.
وبخصوص الاستثمارات ذات المصلحة العامّة لا تتوفّر لدى الصندوق وثيقة تضبط الشّروط العامّة للتّمويل بصفة مسبّقة ممّا ترتّب عنه إسناد تمويلات بنسب فائدة تختلف من مستفيد إلى آخر. وقد تمّ كذلك تمويل مؤسستين بواسطة رقاع قابلة للتّحويل إلى أسهم بمبلغ 27 مليون دينار دون المطالبة بضمانات لاستخلاص مستحقاته. كما تولّى تحرير تمويلاته الكبرى دفعة واحدة عوضا عن تحريرها حسب تقدّم إنجاز المشاريع بما من شأنه ألا يضمن صرفها في الأغراض المخصّصة لها. وساهم الصندوق أيضا في تمويل بعض المؤسسات الصغرى والمتوسطة عبر عشرات الصناديق المشتركة للتوظيف في رأس مال تنمية، علما ان البعض من تلك الصناديق تواجه صعوبات وان عددا هاما من أصحاب المشاريع وبالأخص من بين الباعثين الشبان يتذمرون من تجاوزات القائمين على تلك الصناديق التي كان من المفروض التعامل معها بحذر كبير جدا باعتبار أن الامر يتعلق بالتصرف في أموال عمومية وخاصة. ودعا المرصد، رئيس الجمهورية الى اعطاء الاذن لمحكمة المحاسبات بالقيام بمهمة رقابية معمقة وشاملة للتثبت من جدوى كل الاستثمارات التي ساهم فيها او مولها الصندوق وبالأخص الاتفاقيات المبرمة مع ما يسمى بالصناديق الاستثمارية وبالأخص المحدثة من قبل أطراف اجنبية والضمانات التي تحصل عليها والتثبت من المبالغ الموضوعة على ذمة بعض الصناديق الاستثمارية والتي تم استعمالها لتمويل استثمارات بفرنسا وليس بمناطق التنمية الجهوية. كما أكد ضرورة التثبت من وضعيات تضارب المصالح داخل الصندوق وتبعات ذلك واحالة الملف عند الاقتضاء على النيابة العمومية وإعطاء الإذن لوزيرة العدل بالتعهد بتقرير دائرة المحاسبات المتعلق بالصندوق وايضا التثبت من تأجير وامتيازات كل الذين عملوا بالصندوق ومدى شفافية عملية انتدابهم واحالة الملف عند الاقتضاء الى النيابة العمومية.
يذكر أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد، كان قد أشرف مؤخرا على اجتماع ضم عددا من الوزراء اسدى فيه، تعليماته للقيام بجرد لعدد من المؤسسات "التي لا طائل من وجودها، بل تُمثّل عبئا على ميزانية الدولة وعلى أموال المجموعة الوطنية ولا تُحقّق، هذا إن حقّقت، إلا جزء يسيرا من الأهداف التي أُحدثت من أجلها. فالأوْلى أن تذهب الاعتمادات التي رُصدت لها لإيجاد حلول جذرية لمن كانوا ضحية لسياسات لم تؤدّ إلا لمزيد الفقر والإقصاء". وأضاف سعيّد، أنّ الأوان قد آن اليوم لوضع حدّ لهذه المؤسسات باعتبار أن الحكمة ليست في تعدّد المؤسسات، بل في الحاجة الفعلية إلى وجودها ونجاعتها في خدمة الوطن وفي خدمة المواطنين والمواطنات.
الأولى
.
0 تعليق