أزمة الإعلام الرسمي وضرورة التغيير - ميديا سبورت

0 تعليق ارسل طباعة حذف
جو 24 :

إعلامنا، وعلى الرغم من تاريخه الطويل، يبدو أنه يتخبط في أداء أدواره، خاصة في القضايا المصيرية التي تمس الأردن وقيادته وشعبه ومواقفه النبيلة، والمثل القائل "عدو عاقل خير من صديق جاهل" ينطبق هنا، إذ نراه يفتقر في كثير من الأحيان إلى الحكمة والسرعة المطلوبة في التعامل مع الأحداث، تاركا المجال مفتوحًا للتأويلات الخاطئة إن لم تكن المغرضة والإشاعات.

وفي اللقاء الملكي في البيت الأبيض أمس وجدناه كالعجائز المذعورات يتخبط في تفسيرات سطحية، تاركًا المجال مفتوحًا لمن هب ودب، وهذا ليس جديدًا؛ فقبل عشر سنوات، وحتى قبل سبع سنوات، حذرت من خطط التوطين واستهداف مواقف الملك شخصيًا، لكن يبدو أن الإعلام لم ولن يستفيد من أخطائه.

حدث الأمر ذاته مع تصريحات وزير الخارجية أيمن الصفدي في منتدى دافوس، والتي كانت فرصة ذهبية لتعزيز الموقف الأردني، غير أن الإعلام ظل مترددًا، منشغلًا بالجدل بدلاً من قيادة الرأي العام، رغم أن تصريحات الصفدي كانت واضحة فيما يتعلق بحكم غزة وحصر السلاح بيد الدول لكن بدلاً من نقلها بشكل متكامل، جرى اجتزاؤها وتشويهها.

والإعلام الأردني، ممثلًا بالوكالة الرسمية والتلفزيون الأردني وقناة المملكة وجيش من الكتبة الذي يتقاضون رواتب طائلة من أموال الخزينة بشكل مباشر أو غير مباشر، لم يكن بحاجة إلا لالتقاط الإشارة الواضحة بأن الأردن، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، كان وما زال ثابتًا في مواقفه الداعمة للأشقاء الفلسطينيين، ومع ذلك، يلوذ المرعوب دوما إلى الصمت وفي أفضل الأحوال التأخر في نقل الحقائق، وكأن هناك حالة من الشلل والتخبط تجعله دائمًا مترددًا في اتخاذ مواقف واضحة.

منذ العام الماضي ومع بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أعلن الملك صراحة رفضه القاطع لأي خطط إسرائيلية لاحتلال أجزاء من القطاع أو إقامة مناطق أمنية داخله، وكان من المفترض أن نرى حملة إعلامية موسعة تشرح وتدافع عن هذا الموقف الوطني المبدئي، لكن الإعلام الأردني كان غائبًا، أو على الأقل غير فعال، في نقل هذه الرسالة القوية، وهنا اسأل كما غيري الكثير لماذا لم نرَ استنفارًا إعلاميًا عندما أكد الملك أن الحل العسكري أو الأمني لن يكون مجديًا، وأن أي حل لا يعيد الحقوق للشعب الفلسطيني محكوم عليه بالفشل والمزيد من العنف والدمار.

والمأساة بدلاً من أن يكون الإعلام في مقدمة المواجهة مع الروايات الإسرائيلية والأصوات المتربصة بالأردن، بدا متأخرًا ومترددًا، رغم أن الأردن كان واضحًا في رفضه أي محاولات لتهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية، واعتبر ذلك إعلان حرب، فكيف يمكن لإعلام يُفترض أنه صوت الدولة أن يكون بهذا القدر من البطء والتردد.

إن الأزمة التي يعاني منها الإعلام الرسمي ليست مجرد أخطاء عابرة، بل ضعف مؤسسي في القدرة على المواجهة واتخاذ المواقف الحاسمة، فالإعلام لم يعد مجرد ناقل للأخبار، بل أداة لصناعة الوعي وحماية الموقف الوطني من التشويه والتضليل، ولا يكفي نقل البيانات الرسمية بطريقة آلية، بل يجب أن يكون هناك خطاب إعلامي قوي قادر على التأثير وقيادة الرأي العام.

ما حدث مع اللقاء الملكي أمس ومن قبل مواقف كثيرة دليل على أزمة عميقة يعاني منها الإعلام الرسمي، أزمة تتعلق بالخوف من المواجهة، والبحث عن مخارج تبريرية بدلاً من تبني مواقف واضحة وصريحة، في الوقت الذي نجد فيه إعلام دول أخرى يوجه الرأي العام ويخلق حالة من التضامن والتفاعل.

لقد آن الأوان لكي يراجع الإعلام الأردني نفسه، ويفهم أن الإعلام ليس مجرد منصة محايدة، بل هو سلاح استراتيجي يجب أن يستخدم بفعالية في الدفاع عن المصالح الوطنية والقضايا المصيرية.

وهنا اعرج على كثير من الكتاب والمؤثرين الذين انتهت صلاحيتهم منذ زمن، بل وأصبحوا عبئا على الدولة والإعلام والثقافة وحتى على الكوميديا ذاتها، بما يقدمونه من محتوى مبتذل باسم الوطنية، لقد وجدوا في تحويل الولاء إلى مادة ترفيهية ساخرة منجمًا للشهرة والربح، يجذب الصغار ويمتع الضاحكين على واقعنا المؤسف.

إعلامنا بحاجة إلى ثورة بيضاء تعيد إليه روحه المفقودة، وتحرره من عقدة الخوف والتردد، وقطعا لا أدعو ولن أقبل بأن يكون الإعلام بوقًا، ولكن نطالبه بأن يكون محترفًا قادرًا على إيصال الحقيقة دون تردد، قادرًا على الدفاع عن مواقف الدولة الأردنية دون ارتباك، قادرًا على التصدي للروايات المشوهة دون خوف.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق