القائد الحسن - ميديا سبورت

0 تعليق ارسل طباعة حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
القائد الحسن - ميديا سبورت, اليوم السبت 22 فبراير 2025 10:35 صباحاً

سمية علي

في 17 نيسان/أبريل 2012، سأل مؤسس موقع “ويكيليكس” جوليان أسانج الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، عن تأثير “حي شرشبوك”، أحد الأحياء الشرقية الأكثر فقرًا في العاصمة اللبنانية بيروت، في تكوين شخصيته كقائدٍ لأحد أهم الأحزاب في لبنان، الذي قاوم إسرائيل وهزمها. حينها، أجاب سيد المقاومة بأن هذا الحي، حيث عاش قرابة خمسة عشر عامًا، كان مليئًا بالميزات والتناقضات التي ساهمت جميعها في صقل شخصيته.

قال السيد، مستعيدًا صور طفولته ومراهقته: “حينا بيوته خشب وزينكو أو ترابة وزينكو، الحي كان يضم بيئة مختلطة طائفيًا ولاجئين فلسطينيين، جعلوني أعي باكرًا مظلومية اللجوء والاحتلال. كان استضعاف الحي يستوقفني مقارنة بأحياء أخرى”. ومن هنا، كان انجذابه الكبير لصورة السيد موسى الصدر المعلّقة في دكان والده، الحاج عبد الكريم نصرالله، وتحديدًا إلى العبارة المرفقة بها: “أمل المحرومين وصرخة مستمرة في وجه الطغاة”.

قبل خوضه المقاومة العسكرية، أراد السيد نصرالله، الشاب اليافع، أن يؤدي دورًا في التصدي لهموم الناس، فوجد في الدراسة الدينية مدخلًا لذلك. درس في الحوزة الدينية في النجف الأشرف، ثم عاد إلى لبنان ليُكمل دراسته في حوزة الإمام المنتظر (ع) في بعلبك، إذ كان يرى في الدين الوسيلة الأساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية، ومواجهة ثقافة التخلف والحرمان، وبالتالي كسر إرادة المستكبرين والمستعمرين.

من هنا، كان السيد شغوفًا بالإسلام المحمدي الأصيل، وقد روى والده ذلك عبر قصتين: الأولى عن السيد حسن الطفل المحب لكرة القدم، الذي كان يأخذ منديل جدته الأسود ويلفّه على رأسه، داعيًا رفاقه للصلاة خلفه، وكان يجود بمصروفه على فقير بدل شراء الحلويات والمثلجات. أما الثانية، فكانت عن السيد الشاب، الذي أخبر جده خلال زيارته في النجف الأشرف، أنه يفضّل استغلال الوقت اللازم للحصول على حصة اللحم التي يأخذها طلبة العلوم الدينية، في القراءة والدراسة.

انطلاقًا من ذلك، وجد السيد لاحقًا في ثورة الإمام الخميني (قده)، التي انتصرت عام 1979 على نظام الشاه في إيران، نهجًا ومسارًا للنهضة الإسلامية، في مقابل أجواء النكسة التي كانت تعيشها المنطقة العربية على مستوى الصراع العربي-الإسرائيلي. فالقضية الفلسطينية شكّلت، بالنسبة إلى الإمام الخميني والسيد نصرالله، البوصلة لكل حراك مقاوم.

ألهم هذا النهج السيد وثُلّةً من رفاقه لتشكيل قوة هدفها التصدي للمدّ الإسرائيلي، الذي وصل عام 1982 إلى العاصمة بيروت، فكانت هذه القوة نواةً لحزب الله، الذي أصبح السيد نصرالله في 16 شباط/فبراير 1992 أمينًا عامًا له، خلفًا لرفيقه السيد عباس الموسوي، الذي اغتاله العدو الإسرائيلي. وكان السيد يصف المسؤولية الموكلة إليه، في مقابلاته الصحافية، قائلًا: “لا أعتبر نفسي قائدًا، بل أنا فردٌ في مجموعة، حركة جهادية، تتحمل مسؤولية المقاومة والعمل السياسي”.

عكست هذه الكلمات ما ردّده العديد من الإعلاميين والشخصيات السياسية، الذين حاوروا والتقوا السيد على امتداد 32 عامًا. فالسيد نصرالله، صاحب الكاريزما الآسرة، هو نفسه شخصٌ خجول، وقد بدا ذلك جليًا للمشاهدين، عندما تحدّث عن كيفية تعرّفه إلى زوجته، السيدة فاطمة ياسين، قائلًا باختصار: “هي أخت أحد زملاء الدراسة الدينية في النجف الأشرف، وكنت أتردد بحكم الصداقة إلى منزلهم، وهكذا جرى التعارف”.

كما ظهر ذلك في حديثه عن صعوبة النطق بحرف الراء، مُسرًّا: “كنت أفتّش عن الكلمات الخالية من هذا الحرف، لكنني أدركت لاحقًا أنها مسألة خَلقية، وربما تكون شيئًا محببًا يقرّبني من الناس، لكن لا مانع من التخلص منها”.

متواضعٌ إلى حدٍّ كبير، إذ إن لسانه يلهج دائمًا: “اللهم كلما رفعتني في الناس درجة، ضعني في نفسي مثلها”. هو السيد الذي وقف في أيار/مايو 2000، بوجه أقوى جيوش المنطقة، في بنت جبيل، في جنوب لبنان، مُعلنًا انتصار الحق، وفاتحًا زمن الانتصارات الجميل، في خطابه التاريخي صيف عام 2006، انتصار الدم على السيف، وفقًا لثقافة جده الإمام الحسين (ع). وهو نفسه الأب الحنون، الذي أفصح عن بكائه على فقد نجله البكر، الشهيد هادي، مع فخره بشهادته، التي “أخرجته من الحياة الضيقة إلى الحياة الرحبة والواسعة”.

إنه السيد العاشق للتعلم والقراءة، وبحكم مسؤولياته الكثيرة والحساسة كان واجباً عليه انتقاء كتب معينة، قال في إحدى مقابلاته إنها تتمحور بشكل أساسي حول مذكرات الجنرالات العسكريين من قادة العدو كأرئيل شارون، ثم لاحقاً وبعد سنوات من هذا التصريح أفصح أنه مهتم  بمعرفة المزيد عن الجماعات التكفيرية التي خاض مجاهدو حزب الله حرباً ضدها لعشر سنوات في سوريا وعلى الحدود اللبنانية السورية (منطقة الجرود) أفرزت نصراً وتحريراً ثانياً للبنان في آب 2017 مقابل مشروع خطير.  هو “السيد المستعد جيدًا للإجابة عن كل الأسئلة. شخصٌ بسيط، وبعيدًا عن الشخصية الحازمة الجادة التي نراها، وكما يقول المصريون ‘دمه خفيف’، لطيفٌ بشوش، يمتلك عفويةً بارزةً وكاريزما قوية، ذكي، يتمتع بصفات قيادية واضحة، قوة تأثير، سرعة بديهة، وثقة بالنفس. لديه أداءٌ متسلسلٌ، وقوة في طرح المواضيع والإقناع”، كما وصفه المذيع في قناة الجزيرة، أحمد منصور، الذي حاوره قبل 25 عامًا، وتحديدًا في كانون الثاني/يناير عام 2000.

الصفات نفسها ذكرها إعلاميون التقوا الأمين العام للمقاومة في محطات مختلفة من مسيرته الجهادية.

في 31 آب/أغسطس 1960، أنعم الله عز وجل على السيد عبد الكريم نصرالله بصبي، لِاسمه قصة؛ فقد رأى في الحلم أشخاصًا بوجوه منيرة، قالوا له إنه سيرزق بطفل، وسيسمّيه “حسن”. “كبر وأصبح سيدًا مخلصًا في كل ما يقوم به لوطنه وناسه، عبدًا يحبه الله فيحبّب خلقه به”، قال الوالد منذ سنوات، بصوتٍ ممتلئ حبًا وافتخارًا.

وفي 27 أيلول/سبتمبر 2024، ألقى أعداء الله اثنين وثمانين طنًّا من القنابل على واحدٍ من الطاهرين الشرفاء الطيبين من خلقه، ممن نذر أربعةً وستين عامًا في سبيله ورضاه، سعيدًا بذلك، كما قال يومًا: “الطريقة التي أفهم فيها السعادة، هي عندما أقوم بما فيه رضا لله عز وجل”، ومحققًا حلمه الكبير: “أن يكون موتي قتلاً في سبيل الله”، في سبيل القضية والشعوب التي أهداها عام 2000 أول الانتصارات، عقب أعوام طويلة من الهزائم والنكسات، صادحًا بصوته: “هذا النصر نهديه إلى شعبنا المظلوم في فلسطين المحتلة، ولشعوب أمتنا العربية والإسلامية”.

وعندما يقتلنا فقده، نحن محبيه، ونسأله في لحظة العتب المريرة: هل نبقى بعدك؟ و “ما نفع الأوطان إذا أصبح أبناؤها صورًا؟”، كما سأله أحد المذيعين يومًا، ليجيبه ببسمته الجميلة ونفسه المطمئنة: “الوطن الذي لا يحمل صور شهداء، لا ماضي له، ولا حاضر، ولا مستقبل”.

المصدر: موقع المنار

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق