نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
العنف في الفضاءات الرياضية .. آفة تأبى الاحتواء وتستدعي معالجة سوسيولوجية وقانونية مستجدة (باحثون ومسؤولون رياضيون) - ميديا سبورت, اليوم الأحد 23 فبراير 2025 02:35 مساءً
نشر في باب نات يوم 23 - 02 - 2025
(وات-تحرير حسني الغربي) - تعد آفة العنف في الفضاءات الرياضية من الظواهر المشينة التي تشوه المشهد الرياضي وترمي به في مستنقع الفوضى فتكون تداعياتها جسيمة على المنشآت وسلامة رواد الملاعب ومخلفاتها خطيرة على السلم الاجتماعي. وقد ظلت هذه الظاهرة، التي لا تعترف بالحدود ولا بهوية البلدان، عصية على الاحتواء بما انها مركبة ومعقدة وذات اسباب متقاطعة تتشابك فيها المسائل الامنية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية وتتطلب اعمال الفكر والاجتهاد من اجل حلول عملية تفضي الى استئصال هذا "المارد الغريب" عن كل مجتمع متسامح ومتصالح مع ذاته.
وليست تونس بمعزل عن هذا الواقع، اذ تعيش الملاعب والقاعات الرياضية من حين الى آخر انفلاتات على المدرجات صادرة عن فئة من الجماهير ترافقها اعمال شغب وتخريب واشتباكات مع قوات الامن تختلف اسبابها من عدم قبول النتيجة والاعتراض على قرارات الحكام الى رفض بعض المسائل التنظيمية والاصرار على تحديها في علاقة خاصة برفع "دخلات" او ترديد "شعارات" والتصادم بين مجموعات "الالتراس" داخل الفريق الواحد.
وتعد المقاربة الاجتماعية من ابرز المسالك التي من شانها ان تساعد على فهم الاسباب الحقيقية التي تكمن وراء ارتفاع منسوب الشغب في الملاعب باعتبار ان العنف يبقى أولا وقبل اي شيء ظاهرة مجتمعية منتشرة ولو بنسب متفاوتة في الفضاءات الاسرية والتربوية والعامة. ومن هذا المنطلق، دعا الدكتور محمد الجويلي، رئيس قسم علم الاجتماع بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس، في تصريح لوكالة تونس افريقيا للانباء، الى تعامل جديد مع ظاهرة شغب الملاعب يقوم على تجربة مستحدثة وهي السعي الى تأسيس برامج مرافقة للمناصرين بمن فيهم أفراد رابطات المشجعين على غرار التجربة التي خاضتها بلجيكا بالتعاون بين فريق ستندار دي لياج وبلدية المكان وقسم علم الاجتماع بجامعة المدينة، وهي برامج تقوم على تامين الادماج الاقتصادي والاجتماعي والمدرسي لاولئك الانصار المتسببين في اعمال العنف وضمان تاهيلهم من اجل تغيير العلاقة التي تربطهم بالنادي ومحيطه.
وتابع الجويلي ان "الاشكال في تونس يتمثل في ان العلاقة التي تجمع الاندية الرياضية بجماهيرها تقتصر على النتائج دون سواها، فالفرق لا تضطلع بمسؤوليتها المجتمعية في علاقة بانصارها وليست فاعلة في محيطها لذلك أعتقد أن الاقتداء بالتجربة البلجيكية من خلال احتواء اولئك الشباب ومرافقتهم اجتماعيا وتعليميا واقتصاديا من شانه ان يقلص من منسوب الخوف من المستقبل لديهم وبالتالي تحد من تصرفاتهم العدوانية وسلوكياتهم المحفوفة بالمخاطر مثل الاقبال على تعاطي المخدرات وارتكاب أفعال يجرمها القانون".
وإذ اكد المختص في علم الاجتماع على اهمية المقاربة الامنية في التعاطي مع هذه الظاهرة وما توفره من حلول عملية وناجعة، فانه شدد في نفس الوقت على ضرورة تشريك جميع الاطراف الاخرى المتدخلة وتحميلها مسؤولياتها باعتبار ان العناصر المشاغبة في الملاعب كثيرا ما تجدها هي نفسها المتسببة في العنف في الفضاءات العامة الاخرى، وهي عناصر تعيش من وجهة نظره حالة من الهشاشة النفسية والاجتماعية والاقتصادية الامر الذي يدفعها الى انتهاج سلوكيات عنيفة في اماكن التجمهر والتجمعات مثل الملاعب الرياضية وهو ما يستدعي اتباع برامج مرافقة لمعالجة المشكل من جذوره بطريقة ناجعة عبر تعميق النظر في السبل الكفيلة بادماجها صلب النسيج الاقتصادي وانتشالها من حالة الاضطراب التي تسيطر عليها.
وكثيرا ما اقترنت ظاهرة العنف في الفضاءات الرياضية بجماهير ملاعب كرة القدم سواء في تونس او في عديد البلدان الاخرى بسلوكيات عدوانية قائمة على الشغب والتخريب ما يعرف ب"الهوليغانيزم" وهو ما يجعل اتحادات كرة القدم شريكا مهما في بلورة الاستراتيجيات التي من شانها ان تساعد على القضاء عليها. وتبعا لذلك، تضطلع الجامعة التونسية لكرة القدم بدور جوهري في معاضدة الجهود المبذولة في اتجاه مكافحة هذه الافة التي يجب التعاطي معها على حد تقدير معز المستيري الناطق الرسمي للجامعة على مستويين الاول يهم الجانب الاستباقي والثانية يتعلق بالجانب الردعي معتبرا ان الظاهرة أخذت خلال السنوات الاخيرة منعطفا جديدا إذ لم يعد الحديث عن اعمال عنف بين جماهير فريقين فحسب وانما اضحت متفشية ايضا صلب جمهور الفريق الواحد في ظل الخلافات والصراعات الدائرة بين مجموعات "الالتراس" المعروفة بولائها المطلق وتعصبها الشديد لتنظيماتها.
واضاف المستيري في تصريح ل"وات" "يتعين على جميع الاطراف المعنية بظاهرة العنف في الملاعب الانكباب على تحليلها على المستوى الاجتماعي وفهم الفلسفة التي تتبناها رابطات "الالتراس" التي يعتبر عندها حب الفريق بمثابة نمط حياة. ففي انقلترا مثلا، سخرت الدولة مجموعة من المختصين في علم النفس للجلوس مع رؤساء واعضاء هذه المجموعات وتحدثوا معهم لاستيعاب طريقة تفكيرهم وفهم الخفايا والدوافع التي تجعلهم يلجؤون للعنف في المدرجات واقتراف أعمال يعاقب عليها القانون تحت تاثير تعاطي الكحول والمخدرات".
وتابع الناطق الرسمي للجامعة التونسية لكرة القدم ان "الدعوة لارساء حوار مع رابطات المشجعين لا يعني التخلي عن المقاربة الجزائية التي ينبغي ان تكون ذات منحى تصاعدي من خلال التدرج في العقوبات التي يجب ان تسلط في حق الاطراف التي ارتكبت العنف وليس ضد الفرق اذ من غير المعقول معاقبة جمعية كاملة من اجل افعال فردية. اعتقد انه حان الاوان لفرض عقوبات تكميلية تصل الى حرمان المذنب من دخول الملاعب لمدة عام او عامين وإن لزم الامر منعه نهائيا من ارتياد الفضاءات الرياضية وهو ما يتطلب سن منظومة تشريعية تتماشى مع واقع المرحلة بما يساعد على قطع دابر العنف الذي قد يتسبب في بعض الاحيان في الاخلال بالامن العام".
وختم قائلا "على جميع الاطراف المتدخلة في الشان الرياضي بشكل عام وفي مجال كرة القدم على وجه الخصوص المساهمة في التصدي لشبح العنف من ذلك الاعلام الرياضي المطالب بضرورة التحلى بروح المسؤولية والرصانة والرقي في اداء الرسالة الموكولة له والكف عن الاراء التي من شانها تأجيج الوضع واثارة الحساسيات والجهويات، وهي اراء كثيرا ما تصدر عن اشباه محللين لا علاقة لهم بمهنة الاعلام، وهنا وجب التفريق بين النقد البناء وخطاب الفرقة والفتنة الذي يغذي الصراعات بين الجماهير الرياضية".
وبات العالم الافتراضي من مختلف منصات التواصل الاجتماعي ساحة جديدة لايواء المشاغبين من الجماهير الرياضية وفضاء خصبا لانتشار مظاهر الكراهية بينها حيث اصبحت المعارك تنطلق شرارتها الاولى من -الفضاء الازرق - لتستكمل بقية اطوارها في المدراج. وحول هذا المعطى الذي فرضه التطور التكنولوجي، اكد منذر السماعلي الخبير في السلامة السيبرنية "ان العنف ليس وليد اليوم لكنه ازداد تفشيا في الحياة اليومية واصبح اكثر انتشارا داخل المحيط العائلي والفضاء التربوي وفي الشارع، وقد ارتفع هذا المنسوب مع ظهور شبكات التواصل الافتراضي التي يستسهل فيها الافراد من مستخدمي الانترنت نشر الصور المسيئة والمحتويات المستفزة وسط شعور باطمئنان لعدم تعرضهم لعقوبات في ظل اخفاء هوياتهم باسماء مستعارة خلف الحواسيب والهواتف".
وتابع السماعلي في حديثه ل"وات" ان "انتشار العنف على نطاق اوسع في الميادين الرياضية مقارنة بالفضاءات الاخرى يعود الى ان مدرجات الملاعب تستقطب اعدادا كبيرة من الجماهير وهي الفضاءات الاكثر تجمهرا وتجمع كل شرائح المجتمع باختلاف الطبقات والمستويات، ولاشك ان هذا الاختلاط يوفر بيئة لظهور ما يعرف بسلوك "القطيع" الذي تبرز تمظهراته في الشتم والقذف وهتك الاعراض وتغذية التعصب وتكريس الجهويات ورفض مبادىء التعايش السلمي صلب المجتمع الواحد".
واوضح الخبير في السلامة السيبرنية ان "الامر يزداد خطورة مع التعمق اكثر في فلسفة روابط المشجعين الذين يؤمنون بعقيدة المجموعة فقط ويعتبرون الانتماء لها هويتهم الوحيدة، وكلما ضاقت امامهم الافاق وكثر عليهم الضغط كلما غلبت العدوانية والكراهية على تصرفاتهم".
وختم السماعلي بالقول "أعتقد انه يتعين التكثيف من الحملات التوعوية والتحسيسية حول خطورة الظاهرة انطلاقا من الاسرة والمؤسسة التربوية التي يجب ان تستعيد دورها في تنشئة اجيال متشبعة بقيم التسامح وقبول الاختلاف وبالتالي لابد من مجهود وطني متكامل تتظافر فيه الجهود للنزول بالعنف الى أدنى درجاته".
وتبقى ظاهرة العنف في الملاعب الرياضية في نسختها التونسية جلية المعالم بعد تشخيص اسبابها باسهاب من قبل مختصين وخبراء بقراءات عميقة طرحت حزمة من الحلول عبر الاستئناس بالتجارب المقارنة مع اكسائها خصوصيات المجتمع التونسي. وتبقى الحاجة الى ارساء عقد اجتماعي بمفاهيم حديثة تساير متغيرات التعبيرات الفكرية والضوابط القيمية والمحددات الثقافية والاجتماعية لدى الفئات الشبابية بالتوازي مع التوجه اكثر نحو الاعتماد على العقوبات البديلة التي تفرض على المذنبين القيام باعمال نفعية لفائدة المصلحة العامة بما يكرس لديهم الحس المجتمعي من بين الاليات القادرة على التخفيض من حدة التوتر الاجتماعي والتقليص من السلوكيات العنيفة سواء في الفضاءات الرياضية اوخارجها.
تابعونا على ڤوڤل للأخبار
.
0 تعليق